في مشهد يعكس إصرارًا نادرًا على إنقاذ مستقبل التلاميذ وسط شلل القطاع التربوي، اختارت ثلاث معلمات لبنانيات في بلدة زوطر الغربية بجنوب لبنان أن يتحدين الأوضاع الاقتصادية المزرية ويحولن منازلهن إلى صفوف دراسية مجانية، في محاولة صادقة “لرفع الظلم” عن الأطفال الذين حُرموا من حقهم الأساسي في التعليم.
مبادرة من قلب الأزمة
الإضراب المفتوح الذي يشل المدارس الرسمية منذ أشهر احتجاجًا على تدني الرواتب وانهيار القيمة الشرائية للمعلمين، دفع المعلمات سوسن دياب، هيفاء علوه، وخديجة الحاج إلى اتخاذ خطوة استثنائية. بدلاً من الاكتفاء بالاحتجاج، قررن أن يفتحن بيوتهن للعلم.
البداية كانت حينما استقبلت سوسن دياب إحدى طالباتها لمساعدتها في فهم درس معين. سرعان ما تحوّل اللقاء الفردي إلى صف جماعي، إذ بدأت باستقبال حوالي 20 تلميذًا من الصفين السابع والثامن، مخصصة لهم ساعتين أسبوعيًا، في غرفة الطعام التي تحوّلت إلى فصل دراسي ينبض بالحياة.
تعليم بالمجان… بروح التضامن
المعلمة هيفاء علوه أيضًا لم تتردد، وخصّصت ثلاث ساعات من وقتها كل أسبوع لتعليم طلابها في منزلها. وتؤكد أن الخطوة جاءت بدافع إنساني ووطني، بهدف تعويض الفاقد التعليمي ومنع التسرّب المدرسي، الذي بات يهدد الآلاف من الأطفال اللبنانيين في ظل الأزمة الاقتصادية.
أما المعلمة خديجة الحاج، فوصفت ما تقوم به بأنه محاولة بسيطة للوقوف إلى جانب التلاميذ، رغم قناعتها بعدالة مطالب الأساتذة في الإضراب. لكنها في الوقت نفسه ترفض أن يكون الأطفال ضحية للشلل العام والانهيار التربوي.
رسالة أمل في نفق التعليم
ما فعلته هؤلاء المعلمات يتجاوز حدود المبادرة الفردية، ليشكل صرخة في وجه الانهيار التربوي، ورسالة أمل وسط اليأس. فبينما تغيب الدولة عن واجبها في إنقاذ القطاع التربوي، تتقدّم المعلمات الصفوف ليس فقط بالطباشير والسبورة، بل بالعزيمة والانتماء الحقيقي.
وسط بلد تتآكله الأزمات، تثبت هؤلاء النساء أن التعليم لا يحتاج فقط إلى مبانٍ ومناهج، بل إلى قلوب مؤمنة برسالة، وضمائر حية ترفض التخلي عن الجيل القادم، مهما كانت الظروف